الأزهر يشارك في احتفالات المسيحيين بمصر تأكيداً لـ«الوحدة الوطنية»

حظيت احتفالات مسيحيي مصر بـالعام الميلادي الجديد، أمس، بمشاركة أزهرية رفيعة المستوى، تمثلت في زيارة المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية (وسط القاهرة)، ترأسها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في رسالة تشكّل، فيما يبدو، رداً على «المتشددين» الذين يرفضون تهنئة الأقباط في مناسباتهم الدينية.
وأكدت مصادر في مشيخة الأزهر أن «الزيارة أكدت الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الجماعات الإرهابية، التي تستهدف النيل من الوحدة الوطنية». إن «مشاعر المحبة والرحمة التي تجمع أبناء الشعب المصري، مسلمين ومسيحيين، تشكل تجسيداً حقيقياً لقيم التسامح والحوار والتعايش والصفح… وتزداد أهمية الزيارات المتبادلة بين الأزهر والكنيسة في هذا الوقت لأننا أمام تحدٍّ كبير يمارَس فيه القتل باسم الأديان».
وتسود البلاد حالة استنفار أمني كبير خشية وقوع تفجيرات إرهابية، كما حدث عام 2017 الذي شهد اعتداءين داميين، استهدفا كنيسة «مار جرجس» في طنطا، والكنيسة المرقسية في الإسكندرية، وأسفرا عن مقتل وإصابة نحو 160 شخصاً في تفجيرات تبناها تنظيم داعش الإرهابي.
واستقبل البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الدكتور الطيب، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، والدكتور شوقي علام مفتي مصر، والدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء، والشيخ صالح عباس وكيل الأزهر، والدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محيي الدين عفيفي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، داخل المقر البابوي، أمس، لتقديم التهاني بالعيد.
وهنأ شيخ الأزهر، الأقباط، مؤكداً أن «مشاعر التراحم والود والزيارات المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين، نابعة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، الذي يفرض على المسلم أن يتواصل مع أخيه في الوطن»، مضيفاً أن الأزهر يعلّم أبناءه أن الأديان السماوية تنبع من مصدر إلهي واحد، وأن جميع الأنبياء إخوة، وأن الدين الإسلامي الخاتم ليس منفصلاً عن باقي الأديان، بل حلقة في سلسلة الدين الإلهي، مبيناً أن هذه المفاهيم هي التي حمت المجتمعات في المشرق العربي من الصراعات الدينية بين مكوناتها المختلفة.
من جهته، أكد الدكتور شومان أن «سماحة الأديان وعمق الفهم الوطني كفيلان بصد جميع المحاولات الخبيثة التي تحاول النيل من وحدة صفنا». مضيفاً أن «تقديم التهنئة للمسيحيين بأعيادهم من موجبات البر، وإنفاذ لوصايا رسولنا الكريم».
بينما صرح وزير الأوقاف بأن تهنئة أشقاء الوطن بأعيادهم «بر وقسط ووطنية، ومثل هذه الزيارة أبلغ رد عملي على الجاهلين والمتشددين»، معرباً عن ارتياحه الشديد لهذه الروح الوطنية العالية المتدفقة التي تسري بين أبناء هذا الوطن وأشقائه، مما يعد أنموذجاً راقياً يُحتذى به لتحقيق وترسيخ أسس المواطنة المتكافئة بين أبناء الوطن الواحد، دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق.
من جهته، أعرب البابا تواضروس الثاني عن ترحيبه وخالص شكره وتقديره للتهنئة القلبية الصادقة من الدكتور الطيب والوفد المرافق له، موضحاً أن «مشاعر الحب والود المتبادلة هي نعمة من الله على الشعب المصري، وتأتي الأعياد والمناسبات الإسلامية والمسيحية كفرصة لإظهار هذه النعمة». مؤكداً أن تعاليم المسيح كلها «تدعو لمحبة الآخرين… وهذه المحبة تنشر الفرح والسعادة في المجتمع، وهو ما يعني أن يسود السلام النفسي والمجتمعي… ولذلك فإن زيارات شيخ الأزهر للكاتدرائية في مختلف المناسبات تسهم في نشر الفرح والسلام والسعادة في المجتمع المصري».
ولا يزال مشايخ غير رسميين يفتون بعدم جواز تهنئة الأقباط بـ«عيد ميلاد المسيح». وسبق أن كشفت دراسة صادرة عن دار الإفتاء المصرية أن 90% من فتاوى «المتطرفين» تُبين الفقه الصدامي لهم مع الأقباط. لكنّ الدكتور شومان أكد أن «هيئة كبار العلماء بمصر (أعلى هيئة دينية بالأزهر) حسمت الأمر، وأكدت أن الأقوال التي خرجت من غير المتخصصين لتحريم تهنئة المسيحيين باطلة، لا تستند إلى دليل، لا معقول ولا منقول».