المملكة تسخر علاقاتها وإمكاناتها لإعادة الوهج للأمة العربية خلال “قمة تونس”

تحرص المملكة العربية السعودية على تكوين علاقات نموذجية مع جميع الدول العربية الشقيقة بلا استثناء، مدركة أهمية وخطورة المرحلة الراهنة على مستقبل المنطقة، وحتمية التحالف والاتحاد بين دولها، لمواجهة التحديات والعقبات التي تصطدم بها.
وتسعى المملكة خلال مشاركتها في قمة تونس نهاية الشهر الحالي، إلى الوصول لقرارات وتوصيات تهدف إلى لمّ شمل الدول العربية ونبذ الفرقة والشتات عنها، وتوحيد الصف والاتفاق على قرارات موحدة، تعيد الهيبة إلى الأمة الجريحة.
وتدرك المملكة جيداً دورها التاريخي في قيادة الأمة العربية إلى بر الأمان، عبر توجيهها إلى الطريق الصحيح الذي يضمن لها الاستقرار السياسي والنماء الاقتصادي، والازدهار الاجتماعي، وليس هناك غرابة في ذلك إذا عرفنا أن المملكة تتمتع بثقل سياسي وديني واقتصادي كبير، يؤهلها لتولي زمام الأمر في المنطقة العربية، والقيام بدور الدولة المحورية التي يتجمع حولها بقية الدول، وقد دعا هذا الدور الرياض في وقت سابق إلى تأسيس تحالف دولي عربي إسلامي لمواجهة الإرهاب الذي انتشر في المنطقة والعالم.
العلاقات العربية
يشهد التاريخ الحديث علاقات طيبة بين السعودية وبقية الدول العربية، التي تؤمن بأن المملكة قائدة للدول العربية، بما تملكه من إمكانات وقدرات وعلاقات بدول العالم، خاصة الدول الكبرى.
وتروي صفحات هذا التاريخ أن المملكة طالما وقفت بجانب الدول العربية في جميع المحافل والظروف والأوقات، ودعمتها بما ينبغي، سياسيّاً وماليّاً ومعنويّاً، كما حرصت في الوقت نفسه على ألا تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة عربية كبيرة كانت أو صغيرة؛ إيماناً منها بأن هذا لا ينبغي أن يحدث مع الدول الصديقة والشقيقة مهما كانت متانة العلاقات، وهو ما جعل المملكة وقادتها محل تقدير جميع دول العالم.
وجاءت الزيارة التي قام بها ولي العهد إلى دول عربية في نهاية العام الماضي، وشملت عدداً من الدول من بينها البحرين والإمارات ومصر وتونس، في إطار تعزيز العلاقات بين الرياض وجميع الدول العربية، وتوثيق الروابط معها، فضلًا عن التنسيق والتشاور المستمر بين تلك الدول، بهدف تعميق العلاقات الأخوية، وكذلك بحث الملفات السياسية المهمة ذات الاهتمام المشترك في المنطقة، والتصدي للنفوذ الإيراني المستشري في بعض الدول العربية.
وإذا كانت علاقات المملكة بالدول العربية على خير ما يرام، تبقى علاقتها بالجمهورية التونسية التي تحتضن القمة العربية، ذات خصوصية، ويمكن تصنيف تلك العلاقات بأنها “متميزة”؛ لما للبلدين من مكانة عالية على الخريطة السياسية والجغرافية، ويحرص البلدان على زيادة تفعيل آليات التعاون وتعزيز العلاقات، لتحقيق تطلعات قيادات البلدين. وتأتي زيارات قادة المملكة لجمهورية تونس الشقيقة تأكيداً على عمق العلاقات المتميزة بين البلدين، وتظهر ما يكنه ولاة الأمر لتونس قيادة وشعباً من محبة وتقدير، كما تؤكّد أيضاً الزيارات المتبادلة بين القيادات السعودية والتونسية عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين.
ودأب قادة البلدين على تبادل الزيارات فيما بينهما؛ فقد شهد عام 1437هـ لقاءً بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والرئيس الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية، وذلك خلال الزيارة التي قام بها للرياض، والتي أشاد في تصريحات إعلامية بالعلاقات الأخوية التي تربط البلدين الشقيقين، ووصفها بالتاريخية والمبنية على الاحترام المتبادل والتشاور المستمر.
الحرب على الإرهاب
تأكيدًا لرغبة القيادة السعودية في محاربة الإرهاب ومواجهة التطرف في الوطن العربي، ووقف قنوات تمويله؛ بادرت المملكة بتشكيل جبهة إسلامية موحّدة ضده، بإعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، التحالف الإسلامي الذي يضم 41 دولة، مدعومًا من حلفاء وأصدقاء دوليين، في مبادرة من المملكة في ديسمبر 2015، بهدف أساسي هو توحيد جهود الدول الإسلامية في مواجهة الإرهاب.
وأكد رؤساء هيئات الأركان في الدول الإسلامية في أول اجتماع عقد بالرياض في مارس 2016، عزمهم على تكثيف جهودهم في محاربة الإرهاب، من خلال العمل المشترك، وفقًا لقدراتهم، وبناءً على رغبة كل دولة عضو في المشاركة في المبادرات أو البرامج داخل إطار التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، طبقًا لسياسات وإجراءات كل دولة، ومن دون الإخلال بسيادة الدول الأعضاء في التحالف، مؤكدين أهمية تفعيل انطلاقة التحالف الإسلامي من خلال اجتماع لوزراء الدفاع في الدول الأعضاء.
وبعدها بعام، وتحديدًا في 26 نوفمبر 2017، افتتح الأمير محمد بن سلمان أعمال الاجتماع الأول لمجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، في العاصمة الرياض، تحت شعار “مُتحالفون ضد الإرهاب”، بمشاركة جميع وزراء دفاع الدول الأعضاء، علاوة على البعثات الدبلوماسية المعتمدة في المملكة.
وقال الأمير محمد بن سلمان في افتتاح الاجتماع الوزاري: إن “أكبر خطر يتسبب فيه الإرهاب والتطرف هو تشويه صورة الدين الإسلامي”، مشددًا على عدم السماح بهذا الأمر بعد اليوم”.
وأكد وزراء دفاع دول التحالف في البيان الختامي عزم دولهم على التصدي للإرهاب بكل السبل والوسائل، بما في ذلك على الصعيد الفكري والمالي ومواجهة وسائله الدعائية”.
ويعمل مركز التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي يتخذ من مدينة الرياض مقرّاً له في أربعة مجالات لمحاربة الإرهاب؛ وهي: الفكري، والإعلامي، ومحاربة تمويل الإرهاب، والعسكري؛ حيث تعدّ هذه المجالات النطاق العام الذي تتحقّق فيه أهداف التحالف في الحرب على الإرهاب المتمثلة بمحاربة مختلف أنواع الفكر الإرهابي والتطرف والتوعية لتعزيز رسالة واضحة تؤكد على مبادئ التسامح والسلام والتعايش السلمي في الإسلام؛ ومحاربة تمويل الإرهاب بالتنسيق مع الدول الأعضاء والمنظمات الدولية؛ والمساعدة في تنسيق الجهود العسكرية من خلال تبادل المعلومات، والدعم اللوجستي، والتدريب؛ وإنشاء شَراكات إستراتيجية إقليمية ودولية لتقوية التعاون، وتأكيد إسهام الدول الإسلامية الرئيسة في الحرب العالمية ضد الإرهاب.
وتحرص المملكة وتونس، وبقية الدول العربية، في قمتهم، على الوصول إلى مرتكزات تعيد الوهج إلى دول المنطقة، بعد وقف الصراعات والحروب التي دبّت في أرجاء المنطقة، وتعلو يومًا بعد آخر نبرة التفاؤل بأن الغد العربي سيكون أفضل من اليوم.